الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*2*كِتَاب التَّمَنِّي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح: قوله (بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب التمني) . كذا لأبي ذر عن المستملي، وكذا لابن بطال لكن " بغير بسملة " وأثبتها ابن التين لكن حذف لفظ " باب " وللنسفي " بعد البسملة ما جاء في التمني " وللقابسي " بحذف الواو والبسملة وكتاب " ومثله لأبي نعيم عن الجرجاني ولكن أثبت " الواو " وزاد بعد قوله كتاب التمني " والأماني " واقتصر الإسماعيلي على " باب ما جاء في تمني الشهادة " والتمني تفعل من الأمنية والجمع أماني، والتمني إرادة تتعلق بالمستقبل فإن كانت في خير من غير أن تتعلق بحسد فهي مطلوبة وإلا فهي مذمومة. وقد قيل أن بين التمني والترجي عموما وخصوصا، فالترجي في الممكن، والتمني في أعم من ذلك، وقيل التمني يتعلق بما فات وعبر عنه بعضهم بطلب ما لا يمكن حصوله وقال الراغب قد يتضمن التمني معنى الود، لأنه يتمنى حصول ما يود، وقوله "عبد الرحمن بن خالد " هو ابن مسافر الفهمي المصري ونصف السند مصريون ونصفه الأعلى مدنيون، والمقصود منه هنا قوله " لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا " ووقع في الطريق الثانية " وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل " وهي أبين، ووقع في رواية الكشميهني " لأقاتل " بزيادة لام التأكيد، و " وددت " من الودادة وهي إرادة وقوع الشيء على وجه مخصوص يراد وقال الراغب " الود: محبة الشيء وتمني حصوله " فمن الأول وقد تقدم شرح حديث الباب وتوجيه تمني الشهادة مع ما يشكل على ذلك في " باب تمني الشهادة من كتاب الجهاد " والله أعلم. *3* الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ مَا تَخَلَّفْتُ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ الشرح: (لا يوجد شرح لهذا الحديث). الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ الشرح: (لا يوجد شرح لهذا الحديث). *3* الشرح: قوله (باب تمني الخير) هذه الترجمة أعم من التي قبلها لأن " تمني الشهادة في سبيل الله تعالى من جملة الخير " وأشار بذلك إلى أن التمني المطلوب لا ينحصر في طلب الشهادة وقوله " وقول النبي صلى الله عليه وسلم لو كان لي أحد ذهبا " أسنده في الباب بلفظ " لو كان عندي " واللفظ المعلق وصله في الرقاق بلفظ " لو كان لي مثل أحد ذهبا " وقوله في الموصول " وعندي منه دينار ليس شيء أرصده في دين علي أجد من يقبله " كذا وقع، وذكر الصغاني أن الصواب " ليس شيئا " بالنصب. وقال عياض: في هذا السياق نظر، والصواب تقديم " أجد من يقبله " وتأخير " ليس " وما بعدها، وقد اعترض الإسماعيلي فقال هذا لا يشبه التمني، وغفل عن قوله في سياق رواية همام عن أبي هريرة " لأحببت " فإنها بمعنى وددت، وقد جرت عادة البخاري أن يترجم ببعض ما ورد من طرق بعض الحديث المذكور، وتقدم شرح الحديث مستوفى في " كتاب الرقاق " وتقدم كلام ابن مالك في ذلك هناك. *3* الشرح: قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت) ذكر فيه حديث عائشة بلفظه وبعده " ما سقت الهدي " وقد مضى من وجه آخر أتم من هذا في " كتاب الحج " ثم ذكر بعده حديث جابر وفيه " إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أهديت " وحبيب في السند هو ابن أبي قريبة واسمه زيد وقيل غير ذلك وهو المعروف بالعلم، وتقدم شرح الحديث مستوفى في " كتاب الحج " وقد وقع فيه " لو " مجردة عن النفي ومعقبة بالنفي حيث جاء فيه " لو أني استقبلت " وقال بعده " ولولا أن معي الهدي لأحللت " وسيأتي ما قيل فيهما بعد أربعة أبواب. *3* الشرح: قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ليت كذا وكذا) ليت حرف من حروف التمني يتعلق بالمستحيل غالبا وبالممكن قليلا، ومنه حديث الباب فإن كلا من الحراسة والمبيت بالمكان الذي تمناه قد وجد. الحديث: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ أَرِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ فَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ بِلَالٌ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (أرق) بفتح أوله وكسر الراء أي " سهر " وزنه ومعناه وقد تقدم بيانه في باب الحراسة في الغزو مع شرحه، وقوله "من هذا؟ قيل سعد " في رواية الكشميهني " قال سعد " وهو أولى فقد تقدم في الجهاد بلفظ " فقال أنا سعد بن أبي وقاص " ويستفاد منه تعيينه. تنبيه: ذكرت في " باب الحراسة " من " كتاب الجهاد " ما أخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق " عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت: والله يعصمك من الناس " وهو يقتضي أنه لم يحرس بعد ذلك بناء على سبق نزول الآية لكن ورد في عدة أخبار أنه حرس في بدر وفي أحد وفي الخندق وفي رجوعه من خيبر وفي وادي القرى وفي عمرة القضية وفي حنين، فكأن الآية نزلت متراخية عن وقعة حنين، ويؤيده ما أخرجه الطبراني في الصغير من حديث أبي سعيد " كان العباس فيمن يحرس النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية ترك " والعباس إنما لازمه بعد فتح مكة، فيحمل على أنها نزلت بعد حنين، وحديث حراسته ليلة حنين أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث سهل بن الحنظلية أن أنس بن أبي مرثد حرس النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وتتبع بعضهم أسماء من حرس النبي صلى الله عليه وسلم فجمع منهم سعد بن معاذ ومحمد ابن مسلمة والزبير وأبو أيوب وذكوان بن عبد القيس والأدرع السلمي وابن الأدرع واسمه محجن ويقال سلمة وعباد ابن بشر والعباس وأبو ريحانة وليس كل واحد من هؤلاء في الوقائع التي تقدم ذكرها حرس النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل ذكر في مطلق الحرس فأمكن أن يكون خاصا به كأبي أيوب حين بنائه بصفية بعد الرجوع من خيبر وأمكن أن يكون حرس أهل تلك الغزوة كأنس بن أبي مرثد، والعلم عند الله تعالى. قوله (وقالت عائشة قال بلال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة، إلخ) هذا حديث آخر تقدم موصولا بتمامه في مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من " كتاب الهجرة " وموضع الدلالة منه قولها فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك اقتصر من الحديث عليها والذي في الرواية الموصولة قالت عائشة: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته. *3* الشرح: قوله (باب تمني القرآن والعلم) ذكر فيه حديث أبي هريرة " لا تحاسد إلا في اثنتين " وهو ظاهر في تمني القرآن وأضاف العلم إليه بطريق الإلحاق به في الحكم، وقد تقدم في العلم من وجه آخر عن الأعمش وتقدم شرحه مستوفى في " كتاب العلم " وقوله هنا " فهو يتلوه آناء الليل " وقع في رواية الكشميهني " من آناء الليل " بزيادة " من". الحديث: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بِهَذَا الشرح: قوله (يقول لو أوتيت) كذا فيه بحذف القائل وظاهره الذي أوتي القرآن وليس كذلك بل هو السامع وأفصح به في الرواية التي في " فضائل القرآن " ولفظه؛ فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت إلخ، ولفظ هذه الرواية أدخل في التمني لكنه جرى على عادته في الإشارة. *3* وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا الشرح: قوله (باب ما يكره من التمني) قال ابن عطية: يجوز تمني ما لا يتعلق بالغير أي مما يباح وعلى هذا فالنهي عن التمني بخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض وعلى هذا محصل قول الشافعي " لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون كذا " ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم. قوله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض - إلى قوله - إن الله كان بكل شيء عليما) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها، ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلها في الزجر عن تمني الموت، وفي مناسبتها للآية غموض، إلا إن كان أراد أن المكروه من التمني هو جنس ما دلت عليه الآية وما دل عليه الحديث، وحاصل ما في الآية الزجر عن الحسد، وحاصل ما له في الحديث الحث على الصبر) لأن تمني الموت غالبا ينشأ عن وقوع أمر يختار الذي يقع به الموت على الحياة، فإذا نهى عن تمني الموت كأن أمر بالصبر على ما نزل به، ويجمع الحديث والآية الحث على الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى. ووقع في حديث أنس من طريق ثابت عنه في " باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى " بعد النهي عن تمني الموت؛ فإن كان لا بد فاعلا فليقل " اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، الحديث ولا يرد على ذلك مشروعية الدعاء بالعافية مثلا، لأن الدعاء بتحصيل الأمور الأخروية يتضمن الإيمان بالغيب مع ما فيه من إظهار الافتقار إلى الله تعالى والتذلل له والاحتياج والمسكنة بين يديه، والدعاء بتحصيل الأمور الدنيوية لاحتياج الداعي إليها فقد تكون قدرت له إن دعا بها فكل من الأسباب والمسببات مقدر، وهذا كله بخلاف الدعاء بالموت فليست فيه مصلحة ظاهرة بل فيه مفسدة. وهي طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد، لا سيما لمن يكون مؤمنا، فإن استمرار الإيمان من أفضل الأعمال، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ لَتَمَنَّيْتُ الشرح: وقوله "عاصم " هو ابن سليمان المعروف بالأحول وقد سمع من أنس، وربما أدخل بينهما واسطة كهذا، ووقع عند مسلم في هذا الحديث من رواية عبد الواحد بن زياد عن عاصم عن النضر بن أنس قال قال أنس، وأنس يومئذ حي، فذكره. وقوله "لا تمنوا " بفتح أوله وثانيه وثالثه مشددا وهي على حذف إحدى التاءين، وثبتت في رواية الكشميهني " لا تتمنوا " وزاد في رواية ثابت المذكورة عن أنس " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به " الحديث. وقد مضى الكلام عليه في " كتاب المرضى " وأورد نحوه من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس في " كتاب الدعوات " و " محمد" الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ قَالَ أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعًا فَقَالَ لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ الشرح: " محمد " هو ابن سلام و " عبدة " هو ابن سليمان و " ابن أبي خالد " هو إسماعيل و " قيس " هو ابن أبي حازم، والسند كله كوفيون إلا شيخ البخاري وقد مضى الكلام عليه في " كتاب المرضى" الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ الشرح: وقوله "عن الزهري " كذا لهشام بن يوسف عن معمر. وقال عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أخرجه مسلم والطريقان محفوظان لمعمر، وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وتابعه فيه عن الزهري، شعيب وابن أبي حفصة ويونس بن يزيد، وقوله "عن أبي عبيد " هو سعد بن عبيد مولى ابن أزهر وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق إبراهيم ابن سعد عبد الزهري فقال: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة، لكن قال النسائي إن الأول هو الصواب. قوله (لا يتمنى) كذا للأكثر بلفظ النفي، والمراد به النهي أو هو للنهي وأشبعت الفتحة، ووقع في رواية الكشميهني " لا يتمنين " بزيادة نون التأكيد، ووقع في رواية همام المشار إليها لا يتمن أحدكم الموت، ولا يدع به قبل أن يأتيه " فجمع في النهي عن ذلك بين القصد والنطق. وفي قوله " قبل أن يأتيه " إشارة إلى الزجر عن كراهيته إذا حضر لئلا يدخل فيمن كره لقاء الله تعالى، وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم عند حضور أجله " اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى " وكلامه صلى الله عليه وسلم بعدما خير بين، البقاء في الدنيا والموت فاختار ما عند الله وقد خطب بذلك وفهمه عنه أبو بكر الصديق كما تقدم بيانه في المناقب، وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قيل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص، فإن تمنى الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها، ولكنه أمر قد غيب عنه، وقد تقدم في " كتاب الفتن " ما يدل عل ذم ذلك في حديث أبي هريرة " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل يقول يا ليتني مكانه " وليس به الدين إلا البلاء، وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في " باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى " قال النووي في الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة أو محنة بعدو ونحوه من مشاق الدنيا، فأما إذا خاف ضررا أو فتنة في دينه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث، وقد فعله خلائق من السلف بذلك وفيه أن من خالف فلم يصبر على الضر وتمنى الموت لضر نزل به فليقل الدعاء المذكور. قلت: ظاهر الحديث المنع مطلقا والاقتصار على الدعاء مطلقا، لكن الذي قاله الشيخ لا بأس به لمن وقع منه التمني ليكون عونا على ترك التمني. قوله (إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب) كذا لهم بالنصب فيهما وهو على تقدير عامل نصب نحو يكون، ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق بالرفع فيهما، وكذا في رواية إبراهيم بن سعد المذكورة وهي واضحة، وقوله "يستعتب " أي يسترضى الله بالإقلاع والاستغفار والاستعتاب طلب الإعتاب والهمزة للإزالة أي يطلب إزالة العتاب، عاتبه: لامه، وأعتبه: أزال عتابه: قال الكرماني وهو مما جاء على غير القياس إذ الاستفعال إنما ينبني من الثلاثي لا من المزيد فيه انتهى، وظاهر الحديث انحصار حال المكلف في هاتين الحالتين، وبقي قسم ثالث وهو أن يكون مخلطا فيستمر على ذلك أو يزيد إحسانا أو يزيد إساءة أو يكون محسنا فينقلب مسيئا أو يكون مسيئا فيزداد إساءة، والجواب أن ذلك خرج مخرج الغالب لأن غالب حال المؤمنين ذلك، ولا سيما والمخاطب بذلك شفاها الصحابة، وقد تقدم بيان ذلك مبسوطا مع شرحه هناك، وقد خطر لي في معنى الحديث أن فيه إشارة إلى تغبيط المحسن بإحسانه وتحذير المسيء من إساءته، فكأنه يقول: من كان محسنا فليترك تمني الموت وليستمر على إحسانه والازدياد منه، ومن كان مسيئا فليترك تمني الموت وليقلع عن الإساءة لئلا يموت على إساءته فيكون على خطر، وأما من عدا ذلك ممن تضمنه التقسيم فيؤخذ حكمه من هاتين الحالتين إذ لا انفكاك عن أحدهما والله أعلم. تنبيه: أورد البخاري في " كتاب الأدب " في هذه الترجمة حديث أبي هريرة رفعه " إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى فإنه لا يدري ما يعطي وهو عنده " من رواية عمر بن أبي سلمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة وليس على شرطه فلم يعرج عليه في الصحيح. *3* الشرح: قوله (باب قول الرجل) كذا للأكثر وللمستملي والسرخسي " قول النبي صلى الله عليه وسلم". قوله (لولا أنت ما اهتدينا) إشارة إلى رواية مختصرة أوردها في " باب حفر الخندق " في أوائل الجهاد من وجه آخر عن شعبة بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل ويقول " لولا أنت ما اهتدينا " وأورده في " غزوة الخندق " من وجه آخر عن شعبة أتم سياقا وقوله هنا " لولا أنت ما اهتدينا " وفي بعضها " لو لا الله " هكذا وقع بحذف بعض الجزء الأول ويسمى " الخرم " بالخاء المعجمة والراء الساكنة، وتقدم في " غزوة الخندق " من وجه آخر عن شعبة بلفظ " والله لولا الله ما اهتدينا " وهو موافق للفظ الترجمة؛ ومن وجه آخر عن أبي إسحاق " اللهم لولا أنت ما اهتدينا " وفي أول هذا الجزء زيادة سبب خفيف وهو " الخزم " بالزاي، وتقدمت الإشارة إلى هذا في " كتاب الأدب " والرواية الوسطى سالمة من الخرم والخزم معا. وقوله هنا " إن الألى " وربما قال " إن الملأ قد بغوا علينا " تقدم في غزوة الخندق " إن الألى قد بغوا علينا " ولم يتردد و " الألى " بهمزة مضموما غير ممدودة واللام بعدها مفتوحة وهي بمعنى " الذين " وإنما يتزن بلفظ الذين فكأن أحد الرواة ذكرها بالمعنى، ومضى في الجهاد من وجه آخر عن أبي إسحاق بلفظ إن العدا " وهو غير موزون أيضا ولو كان الأعادي " لا تزن، وعند النسائي من وجه آخر عن سلمة بن الأكوع " والمشركون قد بغوا علينا " وهذا موزون، ذكره في رجز عامر بن الأكوع، وتقدم شرحه مستوفى في " غزوه خيبر". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ يَقُولُ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا نَحْنُ وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّ الْأُلَى وَرُبَّمَا قَالَ الْمَلَا قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا أَبَيْنَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ الشرح: قوله (قبل ذلك ولقد رأيته وأرى التراب) بسكون الألف وفتح الراء بلفظ الفعل الماضي من المواراة، أي " غطى " وزنه ومعناه كذا للجميع إلا الكشميهني فوقع في روايته " وإن التراب لموار". قوله (بياض بطنه) كذا للجميع إلا الكشميهني فقال " بياض إبطيه " تثنية الإبط ووقع في الرواية التي في المغازي حتى " اغبر بطنه " وفي الرواية الأخرى " رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وأرى عني التراب جلدة بطنه " فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، يعني عبد الله الشاعر الأنصاري الصحابي المشهور، وقد تقدم في غزوة خيبر أنه من شعر عامر بن الأكوع، وذكرت وجه الجمع بينهما هناك وما في الأبيات المذكورة من زحاف وتوجيهه. وتقدم ما يتعلق بحكم الشعر إنشادا وإنشاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي حق من دونه في أواخر " كتاب الأدب " بحمد الله تعالى، قال ابن بطال " لولا " عند العرب يمتنع بها الشيء لوجود غيره تقول " لولا زيد ما صرت إليك " أي كان مصيري إليك من أجل زيد وكذلك " لولا الله ما اهتدينا " أي كانت هدايتنا من قبل الله تعالى وقال الراغب لوقوع غيره، ويلزم خبره الحذف ويستغنى بجوابه عن الخبر " قال " وتجيء بمعنى " هلا " نحو " لولا أرسلت إلينا رسولا " ومثله " لوما " بالميم بدل اللام وقال ابن هشام " لولا " تجيء على ثلاثة أوجه أحدها: أن تدخل على جملة لتربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو " لولا زيد لأكرمتك " أي لولا وجوده، وأما حديث " لو لا أن أشق " فالتقدير " لولا مخافة أن أشق " لأمرت أمر إيجاب وإلا لانعكس معناها، إذ الممتنع المشقة؛ والموجود الأمر. والوجه الثاني: أنها تجيء " للحض " وهو طلب بحث وإزعاج و " للعرض " وهو طلب بلين وأدب، فتختص بالمضارع نحو
|